دور الكوليسترول في أمراض القلب
دور الكوليسترول في أمراض القلب
جرى الحديث للمرة الأولى عن وجود دور لارتفاع نسبة الكوليسترول في تطور أمراض القلب في دراسة عن القلب، تدعى دراسة فرامنجهام للقلب؛ حيث بدأت تلك الدراسة عام 1948، وتم فيها فحص 5000 امرأة ورجل أصحاء من سكان فرامنجهام بولاية ماساشوستس بالولايات المتحدة. وحاول الباحثون معرفة العوامل التي تحدد إن كان شخص ما يعاني أزمة قلبية، فكان ارتفاع مستوى الكوليسترول أحد العوامل التي كان لها تأثير فيمن تعرضوا للأزمات القلبية، ولكنه كان عاملًا واحدًا فقط من بين 240 عاملًا آخر من عوامل الخطورة التي تم تحديدها، أما العوامل الأخرى التي أثرت فيمن أصيبوا بالأزمات القلبية، فكان من بينها قصر القامة، وتجعّد شحمة الأذن، والصلع لدى الرجال، والزواج بامرأة ذات تعليم عالٍ!
ومن هنا تم الاهتمام بموضوع الكوليسترول؛ لأنه أحد عوامل الخطورة القابلة للعلاج، وهذا يعني أن هناك فرصة لتصنيع أدوية تعمل على خفضه. وكانت هناك إمكانية لتحقيق أرباح طائلة جراء تصنيع تلك الأدوية! ويعتقد العديد من العلماء أن النتائج التي توصلت إليها دراسة فرامنجهام، قد جرى تفسيرها بشكل مغلوط، وتم التركيز على الكوليسترول بصورة غير ملائمة؛ حيث توصلت الدراسة فقط إلى وجود علاقة بين الكوليسترول وأمراض القلب لدى الرجال من صغار السن، أو من هم في منتصف العمر. ومع ذلك يجري توجيهنا بمرور الوقت نحو الخوف من الكوليسترول.
وفي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي جاء الباحثون ب”فرضية الدهون”، وتعرف أيضًا ب”فكرة علاقة القلب بالنظام الغذائي”. وتزعم تلك الفرضية أن هناك علاقة مباشرة بين كمية الدهون المشبعة والكوليسترول الموجود في النظام الغذائي، ومعدل الإصابة بأمراض القلب التاجية. وقد لاقت هذه الفرضية شهرة واسعة، وعليها تقوم التوصيات الخاصة بالتغذية التي تقدم أنظمة غذائية قليلة الدهون ومنخفضة الكوليسترول. وبناءً عليها أيضًا يصف الأطباء الأدوية التي تعمل على خفض نسبة الكوليسترول لأي شخص تتجاوز لديه مستويات الكوليسترول الحد الملائم.
ومنذ ذلك الحين، يكتشف الباحثون أخطاءً في تلك الفرضية؛ فقد كانت أمراض القلب نادرة في الولايات المتحدة قبل عام 1920. وفي تلك الفترة كان استهلاك الزبد والدهون أكبر كثيرًا من الاستهلاك الحالي، وهذه الأطعمة التي تحتوي على الزبد والدهون غنية بالكوليسترول للغاية، فالعديد من الأنظمة الغذائية التقليدية لدى السكان المحليين غنية بالدهون والكوليسترول، ومع ذلك فإن معدلات الإصابة بأمراض القلب كانت منخفضة للغاية لدى هؤلاء السكان.
إن قبائل الماساي في أفريقيا لديها نظام غذائي يتكون في معظمه من الألبان والدماء واللحوم الحمراء؛ إذ تمثل السعرات الحرارية التي يحصلون عليها من الدهون 60% من مجمل السعرات الحرارية في نظامهم الغذائي. ومع ذلك، فإن مستوى الكوليسترول لديهم منخفض، وليست لديهم حالات إصابة بمرض القلب التاجي، ويتناول شعب الإنويت (الإسكيمو) كميات ضخمة من الدهون في طعامهم، ويحصلون على 80% من السعرات الحرارية من الدهون، ومع ذلك فالأوعية الدموية لديهم بحالة صحية جيدة، وليس هناك ما يشير إلى أنهم يعانون أمراض القلب، ولقد كان النظام الغذائي البدائي في أستراليا يحتوي على كميات كبيرة من الدهون من بيض الطيور، والزواحف، والسلاحف، وثعابين البحر، وحيوانات الأبسوم، والعديد من الحشرات التي توجد بها نسبة عالية من الدهون، مثل يرقات ويتشيتي (67% منها دهون) ونمل الشجر الأخضر، وفراشة بوجونج؛ حيث تحتوي بطونها على الكثير من الدهون، ومع ذلك، كان السكان البدائيون يتمتعون بالرشاقة والصحة، حيث لم يكن يُسْمَع بأمراض السكر والسمنة المفرطة بينهم.
ويرى كثيرٌ من الباحثين أن ظهور السكر، والدقيق الأبيض، والكحوليات، هو ما أدى إلى تفشي أمراض السكر والسمنة المفرطة، وأمراض القلب لدى هؤلاء السكان.
وأحد التفسيرات التي توضح هذا التناقض الغريب، هو أن اللحوم التي كان يتناولها أولئك السكان المحليون، كانت مختلفة تمامًا في تكوين الدهون الموجودة بها عن اللحوم التي نشتريها الآن من المتجر أو من الجزار؛ فإجمالي الدهون الموجودة في لحوم الحيوانات البرية أقل كثيرًا من الدهون الموجودة في لحوم الحيوانات التي تُربى في المزارع، خاصةً فيما يتعلق بالدهون المشبعة، كما أنها تحتوى على كمية أكبر من حمض أوميجا 3، وهو حمض دهني مهم يساعد على عملية الأيض. ولهذا فمن الأفضل لك أن تضيف لحوم الحيوانات البرية إلى نظامك الغذائي من وقت إلى آخر, مثل لحم الكنغر والإيمو (طائر أسترالي يشبه النعامة، لكنه أصغر منها) والأرانب. أضف إلى ذلك أن الكثير من الأسماك التي نشتريها اليوم هي أسماك مستزرعة لسوء الحظ، فإن هذا النوع من الأسماك يحتوي على نسبة من دهون أوميجا 3 أقل كثيرًا من النسبة الموجودة في الأسماك التي تعيش في البحر. ويرجع السبب في ذلك إلى تغذيتها ب”أغذية مُصنعة”، وهي بعيدة كل البعد عن النظام الغذائي الطبيعي؛ فعليك أن تسأل دائمًا عند شرائك السمك إن كان مستزرعا أم تم اصطياده من البحر.
وهناك دراسة مثيرة للاهتمام، نُشرت في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية ، وقد ألقت الضوء على وجود فارق في معدلات الإصابة بأمراض القلب بين من يعيشون في شمال الهند ومن يعيشون في جنوبها، ووجدت أن سكان الشمال يتناولون الكثير من اللحوم، ويستخدمون السمن الحيواني في الطهو، وكانت نسبة الكوليسترول لديهم مرتفعة، أما سكان الجنوب، فكان معظمهم نباتيين، وكانوا يستخدمون الزيوت النباتية والسمن النباتي في الطهو، وكانت نسبة الكوليسترول منخفضة لديهم، ولكنك قد تُصدم إن عرفت أن معدل إصابة النباتيين بأمراض القلب كان أكبر من معدل إصابة من يأكلون اللحوم، ويستخدمون السمن النباتي، ب15 ضعفًا. ويُعتقد أن السبب في ذلك هو استبدال السمن النباتي والزيوت النباتية الحديثة والمكررة بالدهون التقليدية مثل السمن الحيواني. وبعد ذلك بعدة أعوام جاء في مجلة لانسيت أن سكان الشمال بدأوا يُصابون بأمراض القلب، فقد كان سكان الشمال يستبدلون الزيوت النباتية والسمن النباتي بالسمن الحيواني، حيث كانوا يعتقدون أنها صحية للقلب.
ويزعم أنصار “فرضية الدهون” أن ارتفاع نسبة الكوليسترول والدهون المشبعة لدينا يؤدي إلى تحول الدهون المشبعة إلى كوليسترول يتراكم في الشرايين، وتصبح هذه الرواسب المتراكمة من الكوليسترول أكثر سمكًا، فتُكوِّن لويحات على جدار الشريان؛ ما يؤدي في النهاية إلى ضيق الشرايين بدرجة كبيرة، بحيث يتعذر تدفق الدم فيها، ويمكن أن تتفتت اللويحات لتكوِّن جلطة دموية في أحد الأوعية.
إن ارتفاع نسبة البروتين الدهني مرتفع الكثافة، أو الكوليسترول “الجيد”، يحمينا من أمراض القلب، وذلك من خلال نقل الكوليسترول الزائد على الحاجة من الشرايين إلى الكبد، لكي يتم التخلص منه. أما ارتفاع البروتين منخفض الكثافة، فيعني أن هناك الكثير من الكوليسترول الذي سيترسب على بطانة الشرايين؛ ما يزيد من خطر تعرضنا للسكتات الدماغية والأزمات القلبية، ولكن على الرغم من أن هذه المعلومات صحيحة تمام الصحة، فإنها تقدم وجهة نظر سطحية للغاية عن مرض تصلب الشرايين (تكوُّن اللويحات الدهنية في الشرايين)، أما الآن فقد بتنا نعرف أن هناك الكثير من العوامل الأخرى التي لها دورها.
وغالبًا ما يُشار إلى الكوليسترول الناتج من البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة بالكوليسترول “الضار”، ولكن لا يلزم أن يكون هذا الأمر صحيحًا دائمًا، فهذا النوع من الكوليسترول ضروري لأجسامنا، فهناك أنواع ضارة وأخرى مفيدة من البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة. وحجم جسيم البروتين الدهني منخفض الكثافة مرتبط بخطر الإصابة بأمراض القلب بصورة أكبر من المجموع الكلي لجزيئات البروتين الدهني.
أما الكوليسترول منخفض الكثافة ذو الجزيئات الصغيرة والكثيفة، فغالبًا ما يخترق جدران الشريان، ويؤدي إلى تراكم الدهون في داخل الشرايين، في حين أن الكوليسترول منخفض الكثافة ذا الجزيئات الكبيرة والخفيفة لا علاقة له بتزايد خطر الإصابة بأمراض القلب، ولا علاقة له على الأرجح بتدمير جدران الشريان.
0 methqal: